الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على رسولنا الكريم وبعد فقد ذكرت قصة " يأجوج ومأجوج " في القرآن الكريم في قوله تعالى: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا)سورة الكهف،٩٣-٩٩ الآية وهذه الآيات تبين لنا كيف كان يأجوج ومأجوج في قديم الزمان أهل فساد وشر وقوة لا يصدّهم شيء عن ظلم من حولهم لقوتهم وجبروتهم حتى قدم الملك الصالح ذو القرنين فاشتكى له أهل تلك البلاد ما يلقون من شرهم وطلبوا منه أن يبني بينهم وبين " يأجوج ومأجوج " سدّاً يحميهم منهم فأجابهم إلى طلبهم وأقام سداً منيعاً من قطع الحديد بين جبلين عظيمين وأذاب النحاس عليه حتى أصبح أشدّ تماسكاً فحصرهم بذلك السد واندفع شرهم عن البلاد والعبادوقد تضمنت الآيات السابقة إشارة جلية إلى أن بقاء " يأجوج ومأجوج " محصورين بالسد إنما هو إلى وقت معلوم قال تعالى(هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا) وهذا الوقت هو ما أخبر عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- في أحاديثه من أن خروجهم يكون في آخر الزمان قرب قيام الساعة كما ورد ذكر " يأجوج ومأجوج " أيضاً في موضع آخر من القرآن يبين كثرتهم وسرعة خروجهم وذلك في قوله تعالى( حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ )سورة الأنبياء، الآية ٩٦.
#أصل جنسهم:
أصل يأجـوج ومأجوج من البشر من ذرية آدم وحواء عليهمـا السلام وهمـا من ذرية يافث أبي الترك ويافث من ولد نوح عليه السلام.
#ذكر يأجوج ومأجوج في الحديث النبوي:
رسمت الأحاديث النبوية ملامح أكثر وضوحاً عن عالم "يأجوج" و"مأجوج" وكشفت عن كثير من نواحي الغموض فيهم فبنيت أن لديهم نظاماً وقائداً يحتكمون لرأيه وأن السد الذي حصرهم به ذو القرنين ما زال قائماً وأنه يمنعهم من تحقيق مطامعهم في غزو الأرض وإفسادها ولذا فمن حرصهم على هدمه يخرجون كل صباح لحفر هذا السد حتى إذا قاربوا هدمه أخروا الحفر إلى اليوم التالي فيأتون إليه وقد أعاده الله أقوى مما كان فإذا أذن الله بخروجهم حفروا حتى إذا قاربوا على الانتهاء قال لهم أميرهم:ارجعوا إليه غدا فستحفرونه - إن شاء الله - فيرجعون إليه وهو على حاله حين تركوه فيحفرونه ويخرجون على الناس قال تعالى (حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ )سورة الأنبياء الآية ٩٦
فلا يجدون أنسانا إلا وقتلوه ولا أخضر ولا يابس إلا أكلوه ولا بحيره أو نهرا إلا شربوا منها وجففوها ثم يمرون على بحيرة طبرية فيشرب أولهم فيأتي آخرهم فيقول: لقد كان هنا ماء ! ويتحصن الناس خوفاً منهم وعندئذ يزداد غرورهم ويرمون بسهامهم إلى السماء فترجع وعليها آثار الدم فتنةً من الله وبلاءً فيقولون: قهرنا أهل الأرض وغلبنا أهل السماء فيرسل الله عليهم دوداً يخرج من خلف رؤوسهم فيقتلهم فيصبحون طعاماً لدواب الأرض حتى تسمن من كثرة لحومهم كما روى ذلك ابن ماجة في سننه .
وقد دلت الأحاديث على أن الزمان الذي يخرجون فيه يملكون أسباب القوة ويتفوقون فيها على سائر الناس كما بينت الأحاديث بعض صفاتهم الخلْقية وأنهم عراض الوجوه صغار العيون شقر الشعور وجوهم مدورة كالتروس رواه أحمد .
وبينت أيضاً مدى كفرهم وعنادهم وأنهم أكثر أهل النار ففي الحديث أن الله عز وجل يقول لآدم يوم القيامة: أخرج بعث النار فيقول: وما بعث النار ؟ فيقول الله: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين ففزع الصحابة – رضي الله عنهم – وقالوا: يا رسول الله وأينا ذلك الواحد ؟ فقال – عليه الصلاة والسلام-: ( أبشروا فإن منكم رجلاً ومن يأجوج ومأجوج ألفاً ) رواه البخاري .
وبينت الأحاديث كذلك أن خروجهم سيكون في آخر الزمان قرب قيام الساعة وفي وقت يغلب على أهله الشر والفساد قال - صلى الله عليه وسلم -: ( لن تقوم الساعة حتى يكون قبلها عشر آيات طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة، وخروج يأجوج ومأجوج .. ) رواه أبو داود .
وعندما دخل – صلى الله عليه وسلم – على زوجته زينب بنت جحش - رضي الله عنها – فزعاً وهو يقول: ( لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من سدِّ "يأجوج ومأجوج" مثل هذه وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها قالت له زينب: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال: نعم إذا كثر الخبث ) رواه البخاري .
أما ترتيب خروجهم ضمن أشراط الساعة الكبرى فقد دلت الأحاديث على أن الدجال عندما يخرج ينزل المسيح عليه السلام بعده ثم يخرج يأجوج ومأجوج فيأمر الله عيسى - عليه السلام - ألا يقاتلهم بل يتوجه بمن معه من المؤمنين إلى جبل الطور فيحصرون هناك ويبلغ بهم الجوع مبلغا عظيماً فيدعون الله حينئذ أن يدفع عنهم شرهم
عندها يتجه المسيح عيسى عليه السلام وأصحـابه إلى الله فيلجـؤون إليـه ويتضرعون إليه ويرجون منه أن ينقذهم مما وقع بهم من البـلاء العظيم فيستجيب لهم عز وجل فيرسل على يأجوج ومأجوج النغف(وهو دود يكون في أنوف الإبل والغنم ) فهذه حكـمة من الله تعالـى أنه أهانهم بإبادة هذا الجبروت العظيم بحشرة صغيرة فيصبحون قتلى لأن هذا الدود يفترسهم بإذن الله تعالى فيـموتون ميتة واحـدة جماعية وبنفس واحد فتمتلئ الأرض بجثثهم ونتنهم حتى لايوجد موضع شبر إلا وقد امتلأ بجثثهم فيدعو عيسى عليه السلام وصحبه الله عز وجل أن يريح الأرض من أجسادهم ورائحتهم فيستجيب الله لدعواهم فيرسل على قوم يأجوج ومأجوج طيرا كأعناق البخت (الجمل) فتحمل هذه الجثث وتقوم بطرحها في مكان لايعلمه إلا الله تعالى.
ويحج المسلمون إلى البيت بعد هلاكهم، كما في الحديث : ( ليحجن البيت وليعتمرن بعد خروج يأجوج ومأجوج ) رواه البخاري .
بقلم / حامد الشمري
٢٠/ ١١/ ٢٠١٣م